قبل ثلاثة أسابيع، كانت آخر زيارات هايدي راسخ وخديجة الجمال لزوجيهما
علاء وجمال، نجلي الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك، كانت الزيارة
الخامسة رغم مرور أكثر من ستة أشهر على حبس علاء وجمال، اللذين يعتبران
أقل السجناء استقبالاً للزوار. ورغم أن وسائل الإعلام كانت تنسج قصصاً
وهمية حول زيارات سوزان مبارك، قرينة الرئيس السابق، إلا أنها لم تزر
ابنيها سوى ثلاث مرات فقط، وعلمت «لها» أن أسرة الرئيس السابق كانت لها
حساباتها الخاصة في زيارات علاء وجمال، إذ حذر بعض مستشاري العائلة
الزوجتين والأم من احتكاكهن بأسر السجناء، لكن جميع هذه اللقاءات كانت
تغلّفها الدموع الممزوجة ببعض الأمل.
لم تخلُ لقاءات علاء وجمال، نجلي الرئيس السابق حسني مبارك، من مشاعر
إنسانية ودموع الزوجتين والأم سوزان ثابت، التي بدت وكأنها تسير بصعوبة
شديدة، وفشلت نظارتها السوداء في إخفاء الشحوب الذي ظهر على وجهها. في
الزيارات كلّها، التي كانت تشهدها أروقة فناء الزيارة في سجن مزرعة طرة،
حاول علاء وجمال أن يبدوا هادئين متماسكين، لكن زوجتيهما كانتا تدركان أنه
الهدوء الذي يخفي بركاناً من القلق والترقّب لما سيسفر عنه المستقبل.
وأكد مصدر قضائي أن سيناريو الزيارات الخمس، التي قامت بها خديجة وهايدي،
لم يتغيّر، محاميهما فريد الديب كان يتقدّم بطلب إلى النائب العام
المستشار عبد المجيد محمود، الذي كان يبدي موافقته لقلّة زيارات أسرة نجلي
الرئيس السابق. لكن اللواء محمد نجيب، مساعد وزير الداخلية ومدير مصلحة
السجون، كان يولي زيارات نساء آل مبارك أهمية مختلفة، واحتياطات أمنية،
حرصاً على منع أسر السجناء الذين يزورون ذويهم في التوقيت نفسه، من
الاحتكاك بزوجتي جمال وعلاء، خصوصاً أن زيارة سوزان مبارك الأولى لابنيها
شهدت بعض المناوشات بين بعض أقارب السجناء، الذين ظلوا يهتفون ضد أسرة
الرئيس السابق، وقامت إدارة السجن بإبعاد سوزان مبارك وخديجة وهايدي عن
المكان الذي يقضي فيه السجناء وقت الزيارة مع ذويهم.
رسالة شفهية
الزيارة الأولى لهايدي وخديجة كانت يوم 27 تموز/يوليو الماضي، ولم تكن
فيها سوزان مبارك، التي أرسلت لابنيها رسالة شفهية مع زوجتيهما، تؤكد أنها
تحاول أن تتمالك نفسها، وتستعد نفسياً قبل الالتقاء بهما للمرة الأولى
وهما داخل السجن. قبل هذه الزيارة لم يستقبل نجلا الرئيس السابق إلا
عمهما، ومحمود الجمال صهر جمال مبارك، الذي حرص على تكرار زياراته أكثر من
مرة، وكان يؤكد لنجلي مبارك أن هذه الشدّة سوف تزول يوماً ما.
وفي كل زيارة كان جمال يحرص على السؤال تفصيلياً عن صحة والده، وتقارير
الأطباء حول حالته المرضية، وكذلك تفاصيل الحياة في مصر خارج السجن،
واستمرّ أول لقاء بين هايدي وخديجة وزوجيهما ثلاث ساعات، حيث توقفت سيارة
سوداء يستقلّها سكرتير لأسرة مبارك ومعه الزوجتان، وترجلت هايدي وخديجة وتم
إخطار إدارة السجن بوصولهما في موعد الزيارة.
أخطر مأمور سجن مزرعة طرة علاء وجمال بوصول الزوجتين، وحرصت هايدي على
إحضار ابنها عمر بناءً على طلب والده علاء الذي افتقده كثيراً، وكان
اللقاء مؤثراً، بكى عمر بشدة وهو يحتضن والده، الذي أكد له أنه سيخرج
قريباً من السجن ويعود الى أسرته، ولم تتمالك هايدي وخديجة دموعهما، وحاول
نجلا مبارك أن يبديا تماسكاً، وأكدا لزوجتيهما أن المحامي فريد الديب أكد
قوة موقفهما في الاتهامات التي يواجهانها بالفساد واستغلال نفوذ والدهما.
وانهمك علاء في مداعبة ابنه الوحيد، وسأله عن دروسه وموعد تدريبه في
النادي. حاول علاء أن يبدو قوياً أمام ابنه، لكن دموع هايدي وعمر قهرته،
فانزوى بعيداً ليمسح دموعه خصوصاً مع تأكيده لزوجته أن معظم الناس حتى
الأقارب تخلّوا عن أسرة مبارك. وفي أول زيارة لسوزان مبارك، حرص اللواء
مصطفى شاهين سكرتير العائلة، على مرافقتها ومعهما هايدي وخديجة، وقام علاء
وجمال بتقبيل يد والدتهما التي لم تتمالك نفسها وهي تبكي، وتدعو الله أن
يزيل هذا الكرب.
في هذه الزيارة أحضرت الأسرة كمية من الأطعمة والحلوى والملابس البيضاء
لعلاء وجمال، وأصرّت إدارة السجن على تفتيش جميع المتعلّقات التي يستخدمها
نجلا مبارك، اللذان كانا يخضعان لحراسة خاصة، وأحضرت هايدي لعلاء وجمال
كميات إضافية من الأوراق والأقلام، حيث يحرص نجلا الرئيس السابق على تدوين
بعض الملاحظات التي تهمهما من خلال وسائل الإعلام التي يطلعان عليها في
سجن طرة.
طلبت هايدي من زوجها أن يهتم بنفسه، بعد أن بدا عليه الشحوب والإرهاق
الشديد بسبب ضعف رغبته في تناول الطعام، ولم يكن جمال أفضل حالاً من
شقيقه، ولكنه استقبل نصائح زوجته بابتسامة باهتة. في شهر رمضان كانت هناك
زيارة استثنائية لعلاء وجمال، حضرتها الأم التي أصرت على تناول طعام
الإفطار مع نجليها في محاولة لبثّ روح الطمأنينة لديهما، وكانت سوزان
مبارك ترتدي «إيشارباً» وتضع نظارة سوداء، والتزمت بتعليمات إدارة السجن
بتفتيش الأطعمة.
نصيحة
وخلال دخول سوزان مبارك وخروجها، وخضوعها للتفتيش لم تنطق بكلمة واحدة،
وكانت تومئ برأسها لتؤكد أنها تستوعب جميع تعليمات السجن، وأكد بعض مسؤولي
سجن مزرعة طرة أن سوزان مبارك وهايدي وخديجة أكثر التزاماً بالقوانين من
باقي أسر السجناء، وذلك حرصاً منهن على عدم إثارة مشكلات أو الاحتكاك بأي
شخص.
وفي زيارتها الثانية، أحضرت سوزان مبارك حقيبة فيها ملابس رياضية وأطقم
داخلية ومأكولات خاصة يحبها نجلاها، وفي نهاية الزيارة طمأنت سوزان مبارك
ابنها جمال عن صحتها وحالتها النفسية، ونصحته ألا يسترسل في قراءة الصحف
ومتابعة البرامج الإخبارية حرصاً على حالته النفسية. أما أقصر الزيارات
التي قامت بها أسرة مبارك فكانت يوم عيد الفطر، حين ساهم الزحام في إنهاء
الزيارة في زمن لا يتجاوز الساعة، فطلب علاء من والدته وزوجته الانصراف،
ولكن هايدي ألحّت في الانتظار لبعض الوقت، وتناول جمال وشقيقه كعك العيد
مع الأسرة.
وخلال الزيارات، كانت هايدي وخديجة تلتقيان ببعض زوجات الوزراء
والمسؤولين السابقين، ومنهن زوجة الدكتور محمد إبراهيم سليمان وزير
الإسكان الأسبق، وزوجة الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق، لكن
الحوارات لا تستغرق أكثر من دقيقة واحدة لا تخلو من بعض عبارات المجاملة.
وفي الزيارة الأخيرة لهايدي وخديجة ظل علاء مبارك محتضناً نجله عمر طوال
الجلسة، وكان يربّت على رأسه ويقبله بين الحين والآخر، وحينما أعلن ضابط
السجن انتهاء موعد الزيارة، تشبّث عمر بوالده بشكل لا إرادي، فسالت دموع
الأب الذي أشاح بوجهه حتى لا يرى ابنه دموعه، وطلب علاء من نجله أن يكون
رجلاً ويرعى والدته.
ترتيبات أمنية
يقول مصدر أمني كبير بقطاع السجون،
إن زيارات زوجات ووالدة علاء وجمال مبارك ترافقها بعض الترتيبات الأمنية،
لكنها في النهاية تخضع لقيود ولوائح السجن، فلابد من موافقة النائب العام
على أي زيارة استثنائية، وخضوع متعلّقات الأسرة للتفتيش الدقيق، وكذلك
عدم تجاوز الوقت المسموح به للزيارة وهو الساعتان، وهناك التزام من أسرة
جمال وعلاء بهذه التعليمات. ويضيف المصدر الأمني أن جميع تفاصيل زيارات
نجلي مبارك مثبتة داخل دفاتر زيارات السجن، ويمكن الاطلاع عليها في أي
وقت.